"لا يقتصر الحقّ في المدينة على حريّة الفرد في الوصول إلى الموارد المدينيّة، بل هو الحقّ في تغيير أنفسنا من خلال تغيير المدينة وفقًا لرغباتنا... فحريّتنا في إنتاج مُدننا وإعادة إنتاجها تُعتبر أحد حقوقنا الإنسانيّة الأهمّ، لا بل أكثرها تعرّضًا للإهمال." (ديفيد هارفي 2008)
الوصول إلى البحر هو كذلك أكثر من مجرد حق الوصول الى الموارد الطبيعية. هو حق جماعي وغيابه يكوَن ويحدد علاقتنا بالمدينة. للأسف تظهر على ساحل العديد من المدن والبلدات التي نعيش فيها منتجعات خاصة وفنادق ومراسي حصرية تحجبنا عنها جدران وبوابات ضخمة ورسوم دخول. النمو المستمر لمثل هذه المشاريع بالإضافة إلى المناطق العسكرية والمجتمعات المغلقة في العديد من المدن العربية تشير إلى أن هذه الحالة ليست ظاهرة فردية. سواء كانت تابعة لشركات خاصة أو طبقة سياسية حاكمة أو مؤسسات دولة، فقد أدت هذه التدخلات على الساحل الى إعادة تنظيم البيئة المبنية.
ما هي الظروف التي أنتجت خصخصة سواحلنا؟ هل نعرَف الفضاء العام عبر ربطه بمفهوم الملكية؟ ماذا يمكننا أن نتعلم من مراقبة الممارسات المجتمعية البديلة في المساحات المفتوحة في مدننا؟ وكيف يمكننا استعادة حقنا في الوصول إلى هذه الأماكن؟
حاولنا نحن في مجموعة الدكتافون عبر هذه النصوص التي نشرت أولاً في اللغة الانكليزية في مجلة "آرت-ايست" (نعيد نشرها الآن باللغة العربية) جمع أفكار تعالج فهمنا للفضاء العام من منظور الوصول إلى البحر. طلبنا مساهمات من ناشطين وفنانين وباحثين من لبنان والأردن والبحرين والسعودية وسوريا وفلسطين. وذلك بهدف فتح نقاش نقدي ومقارنة إمكانية وصولنا إلى البحر والممارسات الاجتماعية وحقنا في"إنتاج وإعادة إنتاج مدننا" (هارفي 2008). الأسئلة التي نطرحها جماعياً تعالج قضايا سياسة التنمية الليبرالية الجديدة ومفاهيم الفضاء العام والممارسات الاجتماعية البديلة المقاومة. أتت المساهمات على شكل مقالات بحوث مدينية أو توثيق لأعمال فنية مثل الغرافيتي وغيرها أو على شكل حملات محددة الهدف.
النص الأول "هذا البحر لي" لمجموعة الدكتافون يناقش فهم الحيز العام عبر استخدامه فن العروض الحية كوسيلة احتجاجية. يصف المقال العرض الحيَ المرتكز على بحث مديني الذي دعا الجمهور الى رحلة على متن قارب صيد لاكتشاف الظروف التي مكنت خصخصة ساحل بيروت. انتقالاً من بيروت تأتي المساهمة الثانية من البحرين وتتعلق بقضايا حول خصخصة سواحل الجزيرة بأكملها. يشير النص إلى تواطؤ مثير للاهتمام بين `الحكومة` و`النظام`. تستكشف المساهمة الثالثة المنطقة المواجهة للبحر في اللاذقية في سوريا بالقرب من مخيم اللاجئين الفلسطينيين "الرمل". يحكي الكاتب قصة أرض على شاطئ البحر كانت تستخدم كموقع لمخيم طلائع البعث وهو موقع حافظ على طابعه العام بسبب استخدامه الغير الرسمي. بعد بداية الثورة السورية أصبح هذا الفضاء العام الغير رسمي معسكراً خاصة عندما هاجم جيش النظام مخيم الرمل بالسفن الحربية.
تصف مساهمة من المملكة العربية السعودية استخدام الغرافيتي في حملات ضد إغلاق الأراضي البحرية في الساحل الشمالي من "أبحر". تأتي المساهمة على شكل قصة صورية تشير إلى أهمية التدخلات البصرية في الأماكن العامة في التأثير على الوعي العام. تأخذنا مساهمة فلسطين في رحلة مختلفة تبدأ في حيفا: "في حيفا جلب البحر السلع ولكنه أيضاً جلب العدو." تروي الكاتبة قصصاً عن علاقة قوية تربط الفلسطينيين بالبحر وهي علاقة قد مزقها الاستعمار.
المساهمة الأخيرة هو نص عن عمل فني لنهى عناب حول قياس المسافات من عمان إلى البحر في فلسطين. بينما كانت تعمل نهى على المشروع واجهها سؤال بديهي من قبل أحد الأطفال في حي اللويبدة في عمان: "أي بحر؟" فأجابت :"بحر آخر". ثم سأل طفل آخر:"وكيف نذهب الى هناك؟" أشارت نهى: "من هنا!"
من هذا العمل الفني كان مصدر إلهامنا لتسمية مجموعة هذه النصوص "البحر من هنا" في محاولة استفزازية منا أن نزحف معاً نحو البحر.